حظيت عملية صنع القرار القائمة على البيانات والبراهين باهتمام بالغ في عالم الأعمال والقطاع العام، حيث يدرك القادة فوائد اتباع نهج مبني على أساس البيانات، فبالنسبة للقطاع العام كان التركيز على توفير خدمات حكومية أفضل وإنشاء البنية التحتية الأساسية للمدن الذكية واستحداث أدوات أكثر استجابة لصنع القرار.

إلا أن التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية غالبًا ما يتأخر عن الوظائف التنظيمية الأخرى حين يتعلق الأمر بتبني عملية صنع القرار بناءً على البيانات وعلى وجه التحديد في القطاع العام.

لكن دبي تغير هذا الواقع، ففي أغسطس 2020 أصدر ولي عهد دبي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم قرار إنشاء السجل الموحد لموظفي حكومة دبي، وهو عبارة عن مجموعة بيانات مجمعة بعناية وموحدة تم التحقق منها ويمكن الوثوق بها. هذا السجل بالتحديد يوفر مرجعاً واحداً للحقيقة التي ستوجه التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية بينما تسارع دبي خطاها نحو اقتصاد جاهزٍ للمستقبل.

سوف يحدد هذا السجل الخصوصي جميع العناصر الرئيسية الضرورية لإنشاء سياسة موارد بشرية قائمة على البيانات تسرع من استراتيجية التوطين وترفع من مهارات الأفراد وتمكّن من تقديم اعلى مستويات البرامج التدريبية لسد الفجوات المحتملة في المهارات من أجل أتمتة سوق العمل بناءً على الوسائل التكنولوجية المتقدمة. 

ويكمن الهدف من السجل في منح قادة الموارد البشرية نظرة عامة شاملة حول موظفي القطاع العام في دبي لأغراض رسم الاستراتيجيات ولتقييم آلية ترجمة هذه الاستراتيجيات إلى تغيير مؤسسي هادف ورأس مال بشري أقوى ضمن قوة عاملة موجهة نحو المستقبل.

هناك ثلاث حالات استخدام سيتناولها السجل على وجه الخصوص، أولاً: تسهيل عملية التوطين من خلال تمكين قيادة دبي من خلال توفير نظرة تفصيلية للوضع العام والتي تساهم بدورها في وضع السياسات والبرامج والقوانين ذات الصلة. ونظرًا لكونه مجموعة ديناميكية من البيانات، فإن تحديث السجل يمكنه تحديد مدى نجاح خطط التوطين ومتابعتها. كما ستكون المؤسسات الفردية قادرة على متابعة خطط التوطين الخاصة بها وإنشاء آليات فعالة لتخطيط تعاقب الموظفين. أما على مستوى الإفصاح العام، فسوف يسمح السجل بإجراء حسابات دقيقة للتوطين الفعلي في جميع الدوائر الحكومية.

ثانيًا: سيشكل السجل أداة هامة لتسريع عملية تصنيف الوظائف المرتبط بالدرجات الوظيفية وجداول الرواتب. وبجانب دوره في توحيد الأدوار الوظيفية والمسؤوليات وفق معايير دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي، سيساعد السجل أيضاً في الحماية من اللُبس الناجم عن تداخل الأدوار. كما أن وجود نوع من التوحيد القياسي والتصنيف الواضح سيساهم في رسم مسارات وظيفية واضحة لكل مسمى وظيفي مما يساعد القطاع العام على تحسين أداء الموظفين وتحفيزهم وجذب أصحاب الأداء العالي والاحتفاظ بهم.

ثالثاً، سيعزز السجل عملية الجرد الشامل للمهارات، مما يسمح لصانعي القرار ذوي التصاريح المعتمدة بتتبع المتغيرات مثل الدرجة والمؤهلات ومجال التخصص وغيرها. سيسمح ذلك للجهات كذلك بتطوير أطر عمل موحدة للمهارات وربطها بحلول إدارة المواهب. سيعمل السجل أيضاً على تمكين التعلم المستمر والمتسق لضمان حصول الموظفين على المهارات اللازمة للنجاح في المستقبل دائم التغير. كما سيسمح بالتخطيط الفعال للتعاقب أو التسلسل الإداري مما يساعد على تحديد المرشحين الذين يمكنهم تشكيل خط ثان قادر على القيادة.

وليتسنى للسجل تحقيق أهدافه، يجب أن يتوافق السجل مع المعايير العالية التي تم تضمينها في ميثاق تأسيسه. وبناء على ذلك، يسعى سجل الموارد البشرية نحو كمال البيانات مع توفر لوحات لمراقبة الجودة تمنح المسؤولين عنه قياسات فورية حول نسب الاستكمال. كما يتم اختبار السجل للتأكد من دقته باستخدام برامج نصية آلية واختبارات ومقارنات مع المواصفات. يتم تكليف الفرق المسؤولة عن السجل بمهام التأكد من ترابط البيانات ومراجعتها مع إدخال البيانات المنظمة لمنع الأخطاء مباشرة بدءاً من مرحلة إدخال البيانات.

من المهم أيضاً التأكد من ضوابط السرية الصارمة المتأصلة في تصميم السجل. حيث ستتمكن الجهات فقط من رؤية التفاصيل الكاملة حول البيانات التي ساهمت بإنتاجها بنفسها. وسيتمكن صانعو القرار بشكل عام من الاطلاع على توجهات البيانات غير المعروفة التي لا تتضمن تفاصيل شخصية محددة.

وقد تم العمل يدا بيد في أربع جهات لضمان تحديث السجل وأنه في أعلى مستوى من الجودة. تعمل دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي على تحديد معايير جودة السجل، والتنسيق مع الجهات الأخرى للحصول على البيانات القيمة. كما يتولى مركز دبي للأمن الإلكتروني القيادة في إرشادات وسياسات التصاريح وضوابط الوصول. وفي الوقت نفسه، تنشر فرق دبي الذكية ومؤسسة بيانات دبي هذه البيانات على منصة دبي بالس، منصة مشاركة البيانات في المدينة. تتولى هذه الفرق أيضًا الجهود الفنية لتطوير السجل وتصميم الواجهات والأدوات التي ستساعد قيادة المدينة في الاستفادة من البيانات.            

إن جمع بيانات عالية الجودة من جميع الجهات الحكومية في دبي ثم التحقق منها ليس بالأمر السهل. لقد تم وضع خارطة طريق هادفة ومرحلية لتسليم السجل. وخلال المرحلتين الأولى والثانية، تستهدف خارطة الطريق مؤسسات القطاع العام المشتركة في نظام تخطيط الموارد الحكومية (GRP). أما الخطوات التالية فستتضمن توسيع نطاق السجل ليشمل أكثر من 120 مؤسسة من جميع أنحاء النظام البيئي للقطاع العام بالمدينة.

ونظراً للتوقعات العالية من السجل وامتداد تأثيره فإن مواجهته للتحديات أمر واقع لا مفر منه. تركز فرق السجل اليوم على المهام الثنائية المتمثلة في توحيد البيانات عبر ستين مجموعة بيانات أو أكثر من مجموعات بيانات الموارد البشرية المستخدمة فعلياً في نظام تخطيط الموارد الحكومية ثم الوصول إلى الجهات التي لم تستخدم النظام على الإطلاق. حتى داخل نظام تخطيط الموارد الحكومية، فإن لكل جهة مشاركة فروقات في المصطلحات والأوصاف، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث تناقضات وعدم تطابق. كما تختلف البيانات أيضًا في نسب استكمالها وتفاصيلها بين المؤسسات. كان إيجاد الحل لتلك التباينات هو المحرك الكبير نحو توحيد البيانات عند تسجيلها مع التأكد من الجودة والاكتمال.

ويكبر التحدي بسبب ضرورة بقاء البيانات مجهولة المصدر وغير مرئية لفرق التنفيذ بسبب مبادئ الخصوصية. فلا تملك الفرق إمكانية غربلة البيانات وفرزها وفحصها يدويًا. وكان البديل هو الاعتماد عمليات التحقق الخوارزمية والنصوص الآلية لقياس درجات الاكتمال والجودة.

لتسريع الأمر أنشأ فريق سجل الموارد البشرية بوابة خدمة ذاتية للجهات الحكومية المشاركة، حيث يمكنهم التحقق من جودة مجموعات البيانات ودقتها واكتمالها ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين بياناتهم حسب الحاجة.

يعد سجل الموارد البشرية عنصراً هاماً في مشاريع البيانات، وذلك أنها تتعلق بالأشخاص والعمليات بقدر ما تتعلق بالبيانات نفسها. تطرقت مجموعة أدوات مشاركة البيانات التي أعدها فريق بيانات دبي والتي تدعو على وجه التحديد إلى إنشاء اتفاق على الأهداف وأصحاب المصلحة والنتائج قبل الخوض في نماذج البيانات إلى الفكرة ذاتها.

وبغض النظر عن التحديات، فأن دبي تصنع إنجازات بارزة بفضل سجل الموارد البشرية لديها من خلال توسيع النموذج القائم على البيانات نحو تخطيط الموارد البشرية على المدى الطويل، وهو مجال يعتبر منذ فترة بعيدة أنه نوعي أو بديهي بطبيعته.

سوف يشكل سجل دبي للموارد البشرية في دبي عنصراً أساسياً في تمكين صنع السياسات القائمة على الأدلة واتخاذ القرارات المستنيرة بالبيانات حين يتعلق الأمر بتوظيف الأفراد والاحتفاظ بهم وترقيتهم وصقل مهاراتهم. وهي خطوة أخرى في جعل دبي بوتقة للمواهب الملهمة المحلية منها والعالمية.